تخيل
طالبًا صغيرًا اسمه أحمد، نشأ في بلدة ساحلية صغيرة. في كل عام، كان يشاهد الأمواج
تلتهم الشاطئ، والمنازل تختفي في البحر، والأسر تُهجّر بفعل ارتفاع منسوب المياه.
بالنسبة له، بدت هذه التغيرات أكبر من أن يواجهها شخص واحد، وأقوى من أن تُحتوى.
لكن
شيئًا ما تغيّر. فقد أدخلت مدرسته برنامج التعليم من أجل التنمية المستدامة.
فجأةً،
لم يعد التعلم مجرد حفظ للمعلومات، بل أصبح اكتشافًا للترابطات. تعلم أحمد كيف أن
الطاقة، والغذاء، والمناخ، والعدالة، كلها خيوط مترابطة في نسيج واحد. وأدرك أن
الخيارات التي نصنعها اليوم تمتد آثارها إلى الغد.
ومن
خلال مشاريع عملية، استكشف أحمد وزملاؤه طرقًا لتقليل الهدر، وترشيد استهلاك
الطاقة، والدعوة إلى العدالة. لم يقتصر تعلمهم على فهم التغير المناخي، بل تعلموا
كيف يتعاملون معه.
وهنا
يكمن جوهر التعليم من أجل التنمية المستدامة: التعليم
كتمكين لا كمعلومة فقط. فهو يزود الشباب بالتفكير النقدي، والقدرة على
التكيف، والشجاعة الأخلاقية لمواجهة التحديات العالمية.
الإسلام والتعليم من أجل التنمية المستدامة
إن
رؤية التعليم من أجل التنمية المستدامة ليست غريبة عنا، بل هي متجذرة بعمق في
تعاليم الإسلام. فالقرآن الكريم يذكرنا بدورنا المقدّس:
﴿وَهُوَ
الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ
دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾
(سورة الأنعام: 165). هذه الآية تؤكد مسؤوليتنا كـ خلفاء في الأرض.
والخلافة لا تعني مجرد الانتفاع بالموارد، بل تستدعي حمايتها ورعايتها وضمان أن
نتركها للأجيال القادمة مصونة ومزدهرة.
وقد
جسّد النبي محمد ﷺ هذه المسؤولية بقوله:
"إِنْ
قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا تقُومَ
حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ"
(مسند أحمد، حديث رقم 12491). حتى في حال قيام الساعة، يحثنا النبي
ﷺ على العمل بالأمل والمسؤولية والعناية بالخلق. إن هذه الحكمة النبوية تمثل جوهر
الاستدامة: أن نتصرف بمسؤولية مهما كانت الظروف، وأن نؤمن بأن أصغر الجهود لها
معنى.
ومن
هذا المنظور، فإن التعليم من أجل التنمية المستدامة ليس مجرد إطار أكاديمي، بل هو
امتداد لواجبنا الإسلامي: السعي وراء العلم، والعمل بالعدل، وحماية الأرض للأجيال
القادمة.
دعوة إلى التحول المجتمعي
تؤكد
الأبحاث الحديثة والدراسات أن التعليم حين يتبنى الاستدامة فإنه يطلق شرارة
الابتكار التي تتجاوز حدود الفصول الدراسية. فالجامعات والمدارس التي تدمج
الاستدامة في مناهجها لا تخرّج طلابًا فحسب، بل تخرّج صنّاع تغيير قادرين على
مواجهة التغير المناخي، وعدم المساواة، والأزمات الصحية بالإبداع والمسؤولية.
وكما
قال مارتن لوثر كينغ جونيور: «إن وظيفة التعليم هي أن يُعلّم المرء أن يفكر
بعمق، وأن يفكر بانتقاد. والذكاء مع الخُلق—ذلك هو الهدف الأسمى للتعليم.»
وهذا
بالضبط ما يقوم عليه التعليم من أجل التنمية المستدامة: عقلٌ
يقوده الخلق، وفكرٌ يسنده العدل، وتعليمٌ يرتكز على المسؤولية.
تحويل الأقوال إلى أفعال
إن
تحويل هذه الرؤية إلى واقع يتطلب جهدًا جماعيًا على جميع مستويات المجتمع، وذلك من
خلال جهود كل من:
- المعلمون:
يجب أن يدمجوا الاستدامة في كل مادة، لتصبح
أسلوب تفكير لا مجرد درس.
- المؤسسات التعليمية والبحثية: عليها أن تكون قدوة في ما تُعلِّم، من خلال
جامعات مستدامة، وشراكات مجتمعية، وأبحاث مؤثرة.
- الطلاب:
ينبغي تشجيعهم على القيادة، وطرح الأسئلة
الجريئة، وتطبيق الحلول المستدامة في حياتهم اليومية.
- واضعي السياسات وصناع القرار:
عليهم ضمان أن تتماشى المناهج والتمويل مع
التحديات الملحّة لعصرنا.
إن
قصة أحمد تذكرنا بأن التعليم ليس مجرد إعداد للحياة، بل هو أقوى أداة لتغييرها.
ولذلك
يجب أن نتذكر أنه حين نعلّم أبناءنا العناية بالخلُق، والتفكير النقدي، والتصرف
بمسؤولية، فإننا نقوم بواجبنا كخلفاء في الأرض. فالتعليم من أجل التنمية المستدامة
ليس مشروعًا أكاديميًا فحسب، بل هو واجب ديني وأخلاقي ومجتمعي.
ويبقى السؤال المطروح أمامنا دائماً هو" ليس لماذا يجب أن نستثمر في التعليم من أجل التنمية المستدامة"، بل "كم نحتاج من الوقت حتى نتمكن من دمجه كركيزة أساسية في صميم التعليم والبحث وحياة المجتمع".