قيمة التواضع
سمو النفس ورفعة الإنسان في مدرسة
رمضان
حين
تتجلى العظمة في البساطة
هناك
وهجٌ خاص يضفيه رمضان على النفوس، وكأنه موسمٌ تتجدد فيه أرواح البشر، فتُصفّى
القلوب من شوائب الغرور، وتذوب الفوارق التي صنعتها الدنيا، ليجتمع الجميع على
مائدة واحدة من الرحمة والبساطة والتواضع.
إن
التواضع ليس مجرد خلق نبيل، بل هو تجلٍّ لحكمة الوجود، فكلما أدرك الإنسان حجمه في
هذا الكون الفسيح، كلما ازداد قربًا من الله، وأحبّه الناس، وشعر بسلام داخلي لا
يُضاهى. في رمضان، يتعلّم المسلم أن الرفعة ليست في
العلو الظاهري، بل في الانحناء للآخرين برحمةٍ وحب، وأن العظمة الحقيقية ليست في
الامتلاك، بل في العطاء دون انتظار مقابل.
التواضع
في رمضان.. عندما يتساوى الجميع
رمضان
هو المدرسة التي تهذّب النفس، وتعيد للإنسان توازنه مع الحياة، فهو يذكّره بأن الجوع
الذي يشعر به الصائم اليوم، هو الواقع الدائم للفقراء طوال العام، وأن اليد التي
تمتد إلى طبق الإفطار، عليها أن تمتد أيضًا إلى قلوب المحتاجين برفقٍ وسخاء.
في
رمضان، تتلاشى الفوارق، فيشعر الغني بجوع الفقير، ويجلس الرئيس إلى جوار العامل،
ويتساوى الجميع في حاجة الروح إلى الرحمة والسكينة. كان
النبي ﷺ أعظم الناس تواضعًا، رغم كونه أشرف الخلق، فقد كان يجلس بين أصحابه كواحدٍ
منهم، ويأكل معهم، ويشاركهم أحاديثهم، حتى قالوا:
"كان
رسول الله ﷺ يجلس بين أصحابه كأنه أحدهم".
بل
إنه ﷺ كان يخصف نعله، ويحلب شاته، ويخدم أهله، ليؤكد للعالم أن التواضع لا ينقص من
قيمة الإنسان، بل يزيده مهابةً وحبًا في القلوب.
صور
التواضع في رمضان
من
صور التواضع في رمضان
ü مشاركة الطعام مع الفقراء والمحتاجين، لا كمنّة،
بل كفرصة للاقتراب من معاناة الآخرين.
ü التعامل بلطفٍ ولين مع الجميع، بعيدًا عن الكِبر
والغرور، فالناس لا تنجذب لمن يتعالى عليهم، بل لمن يحتضنهم برفق.
ü مساعدة الآخرين في العمل والعبادات، لأن يدًا
تعين غيرها، تكون أقرب إلى الله من يدٍ تعلو استكبارًا.
ü رمضان هو فرصة لأن نكسر جدران الكبرياء، ونبني
جسور المحبة والتواضع.
عمر
بن الخطاب.. تواضع القوة وقوة التواضع
إذا
كان هناك مثالٌ خالدٌ على التواضع، فهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي تربى في
مدرسة النبوة وتمثل سيرة رسول الله في تفاصيل حياته. وقد كان وهو خليفة للمسلمين، لا
يترفّع عن رعي الأغنام، ولا يستنكف عن حمل كيس القمح على ظهره لإطعام الفقراء.
فقد
كان يعلم أن القوة الحقيقية ليست في السيطرة، بل في الرحمة، وأن التواضع ليس
انكسارًا، بل علوٌّ بالنفس عن تفاهات الغرور. و كان يقول دائماً "نحن قومٌ أعزّنا الله بالإسلام، فإن
ابتغينا العزة في غيره أذلّنا الله."
أثر
التواضع على الفرد والمجتمع
من
آثار التواضع على الفرد أنه:
ü يجعله أقرب إلى
الله، وأكثر إحساسًا بضعفه أمام عظمة الخالق.
ü يعلّمه
القناعة والرضا، مما يمنحه راحة البال والسعادة الحقيقية.
ü يحرّره
من القلق والمظاهر الزائفة، ليعيش حياة متوازنة ومتناغمة مع فطرته.
ومن
آثاره على المجتمع أنه
ü يقلّل الفجوة بين
الغني والفقير، وينشر المحبة والتكافل.
ü يؤسس
لثقافة التعاون والمساواة، حيث لا أحد أفضل من غيره إلا بالتقوى والعمل الصالح.
ü يبني
مجتمعًا متواضعًا قويًا، أساسه الرحمة لا التعالي، والتعاون لا التصارع.
ففي
عالمٍ يركض فيه الناس خلف الألقاب والمظاهر، يأتي رمضان ليعيد تشكيل الإنسان من
الداخل، ويذكّره أن الحياة ليست سباقًا لإثبات الذات، بل رحلةٌ لاكتشافها.
وأن
القلوب لا تُفتح بالعظمة الفارغة، بل بالبساطة والرحمة. فكن
متواضعًا، لترتقي في قلوب الناس، وقبل ذلك.. لترتقي عند الله.