هوس مؤشرات الأداء KPI والإنجاز الوهمي


72 0

هوس مؤشرات الأداء KPI والإنجاز الوهمي

في عالم الأعمال والمؤسسات، أصبحت مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) أداة محورية لتقييم الإنجاز وقياس التقدم نحو الأهداف. غير أن هذا الاعتماد المفرط على الأرقام، دون النظر إلى الجوهر، قد يحوّل هذه المؤشرات من وسيلة للتوجيه والتحسين إلى غاية بحد ذاتها، وهو ما ينتج عنه ما يمكن تسميته بـ “الإنجاز الوهمي”.

عندما يتحول القياس إلى غاية

الهدف الأساسي من مؤشرات الأداء هو مساعدة المؤسسات على متابعة الأداء وتحسينه. لكن في كثير من الأحيان، ينحرف التركيز من تحقيق الأثر الحقيقي إلى مجرد الوصول للرقم المستهدف. عندها تتحول العملية من سعي جاد نحو التطوير إلى سباق شكلي للحصول على نتائج إحصائية حسنة المظهر، حتى لو كانت بعيدة عن تحسين الواقع.

على سبيل المثال، قد تنشغل بعض الجامعات في المنطقة بزيادة عدد البرامج أو الدورات التدريبية فقط لرفع معدلات الأداء، بينما لا يتم قياس جودة هذه البرامج أو مدى انعكاسها على مخرجات التعليم. في قطاع الصحة، قد تسعى بعض المؤسسات إلى تقليل وقت الانتظار في العيادات لتلبية مؤشر زمني محدد، لكن ذلك أحياناً يتم على حساب جودة التشخيص أو عمق الخدمة الطبية. وفي عالم الأعمال، قد تُدفع الشركات إلى إطلاق خصومات وعروض متكررة لزيادة المبيعات الشهرية، إلا أن هذه الأرقام قد لا تعكس نمواً حقيقياً أو مستداماً في ولاء العملاء.

الأسباب الجذرية للهوس بالأرقام

ترجع ظاهرة التركيز المفرط على المؤشرات في الأداء إلى عدة عوامل، منها:

·       الضغوط الإدارية والسياسية: رغبة الإدارات والقيادات في إظهار إنجازات سريعة وملموسة.

·       ثقافة الأداء الكمي: حيث يُنظر إلى الأرقام باعتبارها الغاية النهائية بدلاً من كونها وسيلة لفهم وتحسين الأداء.

·       ضعف الوعي بفلسفة مؤشرات الأداء: إذ يتم أحياناً تصميم مؤشرات غير مرتبطة بشكل مباشر بالأهداف الاستراتيجية أو لا تعكس القيمة المضافة الحقيقية.

نحو مؤشرات تقيس القيمة الحقيقية

لتجنب الوقوع في فخ الإنجاز الوهمي، من المهم تبني مجموعة من الممارسات:

1.    مواءمة المؤشرات مع الأهداف الاستراتيجية: بحيث يقيس المؤشر أثر النشاط على تحسين حياة المستفيدين، لا مجرد تحقيق رقم.

2.    التركيز على النوعية والابتكار: إعطاء الأولوية لجودة الخدمة، رضا المستفيدين، والاستدامة.

3.    تنويع المؤشرات: الموازنة بين مؤشرات الكفاءة (تقليل الوقت والتكلفة)، الفاعلية (تحقيق النتائج المتوقعة)، والأثر (التغيير المجتمعي المستدام).

4.    المراجعة الدورية: تقييم ملاءمة المؤشرات وتحديثها وفقاً لتغير الظروف والأولويات.

الدروس للقطاع العام في قطر 

مع التوجه نحو رؤية قطر الوطنية 2030 ومبادرات مثل قطر الذكية (تسمو) ، تصبح مسألة الابتعاد عن الإنجازات الشكلية أكثر إلحاحاً. المطلوب ليس فقط الإعلان عن عدد التطبيقات الحكومية أو المشاريع المنفذة، بل التأكد من أن هذه المبادرات تحقق قيمة مضافة حقيقية للمجتمع مثل تحسين جودة الحياة، تعزيز الاستدامة، ودعم الاقتصاد الوطني.

الخلاصة

مؤشرات الأداء الرئيسية أدوات مهمة، لكنها لا تمثل الإنجاز في حد ذاته. الإنجاز الحقيقي يقاس بمدى التأثير الإيجابي والمستدام على المجتمع والاقتصاد والبيئة. أما الانشغال بالوصول إلى أرقام شكلية فقط، فهو يخلق “إنجازاً وهمياً” يضر بسمعة المؤسسة ويبعدها عن أهدافها الجوهرية.

 


Leave a Comment and Rate the Article:

Other Articles

More Articles
Comments and Ratings

No comments yet. Be the first to share your thoughts!