الجامعات العربية: التقدّم في سلم التصنيفات العالمية والتوجهات المستقبلية


9 0


في السنوات الأخيرة، حقّقت الجامعات العربية تقدمًا ملحوظًا في التصنيفات العالمية للتعليم العالي. فقد أصبحت مؤسسات التعليم العالي في العديد من الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية، قطر، الإمارات العربية المتحدة، لبنان، مصر، والأردن تحظى باعتراف متزايد في تصنيفات
QS العالمية وغيرها من المؤشرات الدولية. ويعكس هذا التقدّم استثمارات كبيرة في البنية التحتية، وتمويل البحث العلمي، والتعاون الدولي، وتطوير الكفاءات الأكاديمية. وهو بلا شك إنجاز جدير بالثناء يُبرز التزام الجامعات العربية بالتعليم والابتكار.

ومع احتفالنا بهذه الإنجازات، من الضروري أيضًا أن نطرح بعض الأسئلة المهمة التي تتجاوز الأرقام والتصنيفات، وتغوص في جوهر مخرجات التعليم.

هل خريجو الجامعات العربية مستعدون فعلاً للمستقبل؟

مع ارتفاع التصنيفات، ترتفع التوقعات. فبينما تقدم العديد من الجامعات برامج متقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والاستدامة، وريادة الأعمال، فإن الاختبار الحقيقي يكمن في مدى جاهزية خريجي هذه الجامعات للتعامل مع عالم متزايد التعقيد والعولمة والتحول الرقمي. هل يمتلكون مهارات التفكير النقدي، والمرونة، واتخاذ القرارات الأخلاقية؟ هل يكتسبون ما يتجاوز المعرفة التقنية ليكونوا قادرين على القيادة، والابتكار، والاستجابة لاحتياجات المجتمع؟

لقد تبنّت بعض الجامعات في المنطقة العربية التعلم التجريبي، والشراكات مع القطاعات الصناعية، ومشاريع التخرج التي تربط بين الأكاديميا والممارسة. ومع ذلك، فإن إصلاح المناهج في كثير من الأحيان لا يواكب سرعة تغيّر سوق العمل العالمي. ولضمان إعداد فعّال للخريجين، ينبغي للجامعات التركيز على التنمية الشاملة، ومهارات التعلم مدى الحياة، وقيم الابتكار والتكيّف.

إلى أي مدى تعكس تصنيفات QS الجودة الحقيقية للتعليم؟

تشكل التصنيفات العالمية مثل QS وTHE وARWU أدوات مرجعية مفيدة، حيث تقيس نواتج البحث العلمي، ونسبة أعضاء هيئة التدريس إلى الطلاب، والسمعة الأكاديمية، والدولية. لكن لديها أيضًا بعض القيود. فمثلًا، تعتمد تصنيفات QS بشكل كبير على الاستطلاعات المرتبطة بسمعة الجامعة، والتي غالبًا ما تفتقر الى الموضوعية. علاوة على ذلك، فإن توظيف الخريجين، وجودة التدريس، ونتائج تعلم الطلاب، وهي من بين أهم مؤشرات الجودة، غالبًا ما تكون غير ممثلة بالشكل الكافي أو غائبة تمامًا.

وبالتالي فإنه في حين أن التصنيفات تعكس الرؤية والانتشار، فإنها لا تعكس دائمًا التجربة الفعلية للطلاب، ولا الأثر المجتمعي للجامعة مما يجعل من الضروري التعامل معها بحذر، وموازنتها مع مقاييس أعمق لجودة التعليم.

هل التركيز على التصنيف أم على الجودة الحقيقية للتعليم؟

بشكلٍ عام، هناك قلق متزايد بين الأكاديميين وأصحاب المصلحة من أن بعض الجامعات قد تضع الأولوية لاستراتيجيات ترفع التصنيف، مثل النشر في المجلات ذات التأثير العالي، أو توظيف أعضاء هيئة تدريس دوليين، أو زيادة عدد الطلاب الدوليين، على حساب الاستثمار الحقيقي في جودة التدريس، وإصلاح المناهج، وتطوير أعضاء هيئة التدريس، وخدمات دعم الطلاب.

وهنا يكمن الخطر الحقيقي المتمثل في إمكانية أن يصبح " ملاحقة التصنيف" هدفًا في حد ذاته، مما يحوّل الموارد والاهتمام بعيدًا عن العمليات التي تعزز فعليًا تجربة التعلم. وهذا يخلق خللًا؛ فالتصنيفات العالية قد تخفي ضعفًا منهجيًا في فاعلية التدريس، أو بيئة التعلم، أو جاهزية الخريجين لسوق العمل.

ما الذي ينبغي أن تركز عليه الجامعات في المستقبل؟

من أجل تحقيق التحول الحقيقي للجامعات والذي يتجاوز الإنجاز الرمزي إلى التأثير المستدام، ينبغي على الجامعات في العالم العربي أن تعيد توجيه تركيزها نحو جودة تعليم حقيقية وذات صلة بالمجتمع. كما ينبغي التركيز على بعض الأولويات الرئيسية والتي منها:

  • تجديد المناهج الدراسية لتتضمن كفاءات المستقبل مثل الثقافة البيئية، والمهارات الرقمية، والتفكير متعدد التخصصات.
  • برامج تطوير أعضاء هيئة التدريس لتعزيز أساليب التدريس التي تركز على المتعلم ودمج البحث في التعليم.
  • بناء شراكات أقوى مع سوق العمل والقطاعات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لضمان ارتباط البحث والتدريس بالتحديات المحلية والعالمية.
  • تقديم خدمات متمحورة حول الطالب تدعم الصحة النفسية، والاستعداد المهني، والتعلم الشامل.
  • تطوير أطر ضمان جودة شفافة ومحلية تتجاوز التصنيفات وتركز على النتائج المهمة والمرتبطة بواقع الخريجين وحاجاتهم المستقبلية.

دعوة إلى التوازن

ينبغي أن نشيد بالتقدم الكبير الذي حققته الجامعات العربية في سلم التصنيفات الأكاديمية العالمية والذي ساعدها في تعزيز قدرتها على جذب الكفاءات، وتشجيع الابتكار، وتحسين سمعة التعليم العالي العربي على المستوى العالمي.

ومع ذلك، فإن النجاح الحقيقي للجامعات لا يُقاس بترتيبها العالمي فحسب، بل بقدرتها على تغيير حياة الأفراد، وحل المشكلات الواقعية، وتخريج مواطنين أخلاقيين وفاعلين. والتحدي الأكبر هو ألا يكون السعي وراء التصنيفات الاكاديمية العالمية على حساب رسالة الجامعات في اعداد قادة المستقبل وتلبية متطلبات التنمية المستدامة.

ولذا فينبغي أن تعمل الجامعات العربية على تحقيق التوازن بين تحقيق التنافسية العالمية من خلال الحصول على أعلى مستويات التصنيفات الاكاديمية وتحقيق التميز التعليمي الحقيقي القادر على تلبية حاجات التنمية المستدامة لتكون هذه الجامعات المحركات الحقيقية للتحوّل في مجتمعاتها.

 


اترك تعليقاً وقيم المقالة:

مقالات أخرى

المقالات الفردية
التعليقات والتقييمات

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يشارك أفكاره!