هل يُعتبر الطالب عميلًا أم منتجا؟ كيف تؤثر هذه النظرة على جودة العملية التعليمية


27 0


 

في ظل التطورات الحديثة في مجال التعليم العالي، برز جدلٌ فلسفي وإداري حول طبيعة دور الطالب: هل هو "عميل" يتعين على الجامعات إرضاؤه وتلبية توقعاته، أم "منتج" تحتاج الجامعات إلى صقله وضمان جودته وفق معايير أكاديمية؟

هذا السؤال ليس مجرد نقاش نظري، بل له انعكاسات عميقة على طرق التدريس، وتقييم الأداء، وحتى تعريف النجاح في المنظومة التعليمية. 

 

ففي ظل المنظور الأول الذي يتعامل مع الطالب كـ "عميل"، تُعامل الجامعات الطالب كطرف مستهلك للخدمة التعليمية، الامر الذي يفرض عليها تلبية رغباته مثل المرونة في الاختيار بين المساقات، أو تبسيط التقييمات لضمان رضاه، وتحسين تجربته عبر خدمات الدعم النفسي والترفيهي، وبيئة جامعية مريحة. كما ان المنافسة بين الجامعات تصبح قائمة على جذب "الزبائن" عبر المزايا غير الأكاديمية.

 

وبالرغم من ان هذا المنظور قد يؤدي الى زيادة الإقبال على التعليم في الجامعات نتيجة تحسين تجربة الطالب ويساعد على تعزيز استجابة المؤسسات لاحتياجات سوق العمل، إلا ان من سلبياته على العملية التعليمية انه قد يؤدي الى تراجع مستويات الجودة خاصةً إذا كان إرضاء الطلاب على حساب المعايير الأكاديمية. كما أنه قد يؤدي الى تضارب الأولويات حيث قد تطغى الاعتبارات التجارية على الرسالة التعليمية. 

 

من جهةٍ أخرى، فإنه في ظل المنظور الثاني الذي يتعامل مع الطالب على انه "منتج" ، ينصب تركيز الجامعات على الخروج بطلاب مؤهلين وفق معايير صارمة. الأمر الذي يستلزم التأكيد على الانضباط الأكاديمي من خلال مناهج صعبة وتقييمات دقيقة، ويركز على المسؤولية المشتركة بين الطالب والجامعة في تحقيق الجودة، ويخضع للمحاسبة حيث يُقاس أداء المؤسسة من خلال قدرة خريجيها على المساهمة الفاعلة في التنمية. 

 

وبالرغم من بعض السلبيات التي تتمثل في إهمال الجانب الإنساني الذي يفرض الكثير من الضغوط النفسية على الطلاب أو جمود المناهج إذا ما تم التركيز على المعايير دون مراعاة التطورات الحديثة، إلا أن من إيجابياته ضمان مخرجات تعليمية عالية المستوى والحفاظ على مكانة الشهادات الأكاديمية وقيمتها في سوق العمل.

 

كيف تؤثر هذه النظرة على العملية التعليمية؟ 

لكل من المنظورين أثره على طريقة التدريس وسياسات المؤسسات التعليمية وتعريف النجاح. ويمكن تلخيص هذا التأثير في الجدول التالي:

 

بُعد التغيير\النموذج

نموذج العميل

نموذج المنتج

طريقة التدريس

يتحول الأستاذ إلى مقدم خدمة يسعى لإرضاء الطلاب.

يعمل المدرس كمراقب جودة قد يُهمل أساليب التعليم الإبداعية. 

تعريف النجاح

يُقاس النجاح بمدى رضا الطلاب واستمرارهم في الدراسة

يُقاس بمعدلات التوظيف أو الإنجازات البحثية للخريجين. 

سياسة المؤسسة 

سياسة التوسع الأفقي (زيادة أعداد الطلاب).

تتبنى سياسة التميز الأكاديمي (كليات النخبة).

 

 نحو نموذج متوازن 

 

في الواقع لا يمكن الفصل بين المنظورين تمامًا؛ فالتعليم الفعال هو الذي يجمع بين ضمان جودة المخرجات ومراعاة احتياجات الطلاب. ويكمن الحل الأمثل في:

·      التفريق بين "الإرضاء" و"التساهل"، فرضا الطالب يجب أن يكون نتاجًا لتحقيق التميز، وليس التنازل عنه.

·      دمج المعايير الصارمة مع الدعم النفسي، لأن الطالب ليس آلة بل شريك في عملية التعلم. 

·      إعادة تعريف النجاح كمزيج بين الكفاءة الأكاديمية، المهارات الحياتية، والقدرة على الإبداع. 

 

وعليه فالمؤسسات التعليمية الناجحة هي تلك التي ترى الطالب "موردًا بشريًا ثمينًا" يستحق الاستثمار فيه، دون أن تفقد رسالتها في بناء العقول وتحديها.


اترك تعليقاً وقيم المقالة:

مقالات أخرى

المقالات الفردية
التعليقات والتقييمات

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يشارك أفكاره!